الأحد، 14 ديسمبر 2008

نصف مليون فلسطيني يهتفون: لبيكِ حماس



أمواج بشرية في احتفال حماس


غزة- كارم الغرابلي:


وسط سيل جماهيري حاشد هادر قُدِّر بنصف مليون، احتفلت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم الأحد بذكرى انطلاقتها الحادية والعشرين في أرض الكتيبة الخضراء وسط غزة، تحت عنوان "غزة والضفة.. وحدة وعزة"؛ حيث اعتُبر الحضور الجماهيري الحاشد الأكبر في تاريخ فلسطين.

وبدأت الأمواج البشرية من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ وشيوخٍ بالزحف نحو أرض الكتيبة قبل خمس ساعات من بدء المهرجان؛ حيث كانوا يحملون رايات حماس الخضراء التي تؤكد وقوفهم خلف الحركة والتمسك بثوابتها، فيما تزيَّنت المباني المرتفعة وأعمدة الكهرباء والسيارات التي تسير في الشوارع بالرايات الخضراء وصور قيادات حماس وكتائب عز الدين القسام.

زحف هادر

الصورة غير متاحة

آلاف من مؤيدي حماس خلال الاحتفال بذكرى انطلاقتها

وامتلأ المكان المخصَّص لهذا المهرجان المركزي الكبير بشكل كامل قبل ثلاث ساعات على بدئه؛ حيث تعطَّلت حركة النقل والمواصلات بشكل كامل في مدينة غزة نتيجة اكتظاظ الشوارع بالمشاركين، فيما وصل عدد كبير من الموطنين إلى المدينة قادمين من المحافظة الشمالية عبر العربات التي تجرها الحيوانات.

وتوجَّه ما يزيد عن 100 حافلة إلى مكان المهرجان في ساحات الكتيبة بغزة قادمة من المحافظات الجنوبية والوسطى، تحمل الآلاف من النساء والأطفال والشباب والشيوخ، وشارك في المهرجان أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وعدد من وزراء الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، وعددٌ كبيرٌ من الشخصيات الاعتبارية وقادة الرأي وممثلون عن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

وكان من بين الحضور على المسرح أحمد بحر وسعيد صيام ومحمد حسن والمهندس عيسى النشار والدكتور إبراهيم اليازوري في إشارةٍ إلى أن حماس تعمل على تكريس قيادات سلطوية للحركة أسوةً بكل حزب مستمر في السلطة.

وعلى خشبة المسرح الذي قُدِّر مساحته بـ40 مترًا وأمام أكثر من 200 ألف مشارك، قامت قيادة حركة حماس في غزة بتوجيه التحية إلى القادة المؤسِّسين للحركة وقدَّموا التحية إلى الشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في مصر كذلك.

وقبل أن يتقدَّم إسماعيل هنية بإلقاء كلمته تقدَّم الشيخ أبو أسامة دخان (عبد الفتاح دخان أحد مؤسسي حماس) وطلب من الجماهير رفع سواعدهم اليمنى إلى أعلى وأقسم- وهم من ورائه- القسم المشفوع باسم الله ولاءً لحركة الإخوان المسلمين (أعاهد الله أن أخلص لدعوة الإخوان المسلمين والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة.....).

وقبل كلمته التي ألهبت الجماهير المحتشدة قام رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بالسجود سجدةَ شكرٍ لله وقال بكلمة ساخرة: "لا يريدون رئيس وزراء أن يكون إمام مسجد".

الحجاج والتعويض

الصورة غير متاحة

أعلام حماس الخضراء تملأ ساحة الاحتفال

في بداية كلمته وعد هنية الحُجَّاج بالتعويض، مشيرًا إلى أن الذين لم يذهبوا إلى الحج كسبوا حضور يوم حماس الأكبر.

وانتقد هنية الحصار الدولي المفروض على قطاع غزة، ووصفه بـ"الحرب القذرة"، وتحدَّث عن تفاصيل آثار الحصار، وبارك حضور الآلاف المؤلفة للمشاركة في يوم حماس، مضيفًا: "فهذا انتصار كبير".

وأكد هنية أن هذا الحضور الكبير يعني أن الإيمان راسخ في القلوب والصدور، وحثَّ "المؤمنين" على الصمود أمام "المنافقين"، وأن النصر من عند الله.

وقال: "إن دوائر صنع القرار في المنطقة يتابعون هذا اليوم، وإنهم يريدون معرفة إذا انفض الناس عن حماس ومشروعها.. وإن صناع القرار في المنطقة يعتقدون أن سياسة الحصار يمكن أن تكون أتت أكلها، وإن هذا التجمع هو الرد على من يحاصر الشعب ويتآمر على شعب غزة.

وتحدث رئيس الوزراء عن الرسول عليه الصلاة والسلام والحصار الذي تعرض له ثلاث سنوات في أحد شعاب مكة على يد قريش.

وأكد هنية أن حماس ليست ظاهرةً عابرةً، وإنما حقيقةٌ راسخةٌ رسوخَ جبال فلسطين، مضيفًا وسط هتافات جماهيرية: "حماس بعد الحصار أقوى، وستبقى أقوى؛ لأنها تستمد قوتها من الله سبحانه وتعالى، وإن هذا التجمع رسالةٌ إلى الأمريكان وإلى بوش الذي انصرف وإلى أوباما وإلى إسرائيل وإلى من يقف في ذات الخندق، وإنهم لن ينتصروا".

وتابع رئيس الوزراء: "هذا الكلام موجَّهٌ أيضًا إلى ليفني، وإننا سنرد عليها بنساء حماس ونساء فلسطين"، وأضاف: "سقطتَ يا بوش ولم يسقط سلاحنا.. سقطتَ ولم تسقط حماس".

وأكد أن حماس مستمرةٌ في وقوفها في الساحات الثلاث: ساحة الدعوة، وساحة المقاومة، وساحة الحكم، وأن حماس أعادت الاعتبار إلى القضية الفلسطينية في عمقها العربي والإسلامي، ولبرنامج المقاومة والجهاد والصمود بعد فترة المصافحات والقبلات والأحضان التي لا يمكن أن تحرر الأسرى والقدس.

واشتكى من ظلم كبير من الاحتلال وذوي القربى ومن المعادلات الدولية ومن ملاحقة نشطاء حماس في الضفة ومن التعاون الأمني، إلا أن حماس تمثِّل معجزةً سياسيةً؛ لأنها ترفع لواء المقاومة والحرية.

الحصار الجائر

الصورة غير متاحة

الأطفال يشاركون في احتفال حماس

وألمح هنية إلى خمسة عناوين هي في أولويات واهتمام حكومته لكسر الحصار؛ حيث أعلن جملة من القرارات؛ هي: السماح باستثمار الأراضي الحكومية للمشاريع الإسكانية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، والاستمرار في سياسة مجانية التعليم الأساسي، وزيادة رواتب المعلِّمين بنسبة 5% على راتبهم الشهري، وتقديم مساعدة عاجلة إلى 3 آلاف طالب جامعي بمعدل 100 دولار لكل طالب، وصرف رواتب المعلِّمين في الضفة الغربية الذين فصلتهم حكومة فياض، وتقديم مساعدة عاجلة إلى عشرة آلاف أسرة محتاجة.

وأكد هنية: "سنعتمد برنامج تمويل المشاريع الصغيرة بمليون ونصف المليون دولار، والمشاريع الإبداعية الفردية نصف مليون دولار، وإنشاء مستشفى العيون التخصصي بتمويل مؤسسات مجتمعية أردنية، والأشعة بتمويل تركي، والمدينة الرياضية مدينة الياسين الرياضية بتمويل من دولة قطر".

وأكد أن الحصار لا يشمل غزة فقط، وإنما الضفة التي تعاني من الجدار والحصار والقمع والاستيطان وتهويد القدس والتهديد بتهجير عرب 48.

وانتقد قوى الأمن الفلسطيني في الضفة، والتي تنصاع لأوامر الضابط الأمريكي دايتون، وردَّ على ليفني بالقول: "إن فلسطينيِّي 48 لن يأتوا إلينا، وإنما نحن الذين سنأتي إليهم"، محذرًا من مؤامرة على حق العودة.

وكرَّر رفضه التوطين والتهجير، مؤكدًا تمسك حماس بحق العودة، وحيَّا الملتقى العربي الدولي لحق العودة، والذي انعقد في دمشق.

ووصف رئيس الوزراء المفاوضات بـ"المسخرة" و"الملهاة"، وقال: "إن السفن التي تكسر الحصار ليست هي المسخرة بل المفاوضات هي المسخرة".

الحوار الوطني

الصورة غير متاحة

الآلاف يؤدون الصلاة خلال المؤتمر الحاشد

وتطرَّق هنية إلى الحوار الوطني، مؤكدًا تمسك حماس بالحوار، متهمًا قيادة فتح بالتهرُّب لصالح حسابات ورهانات وفيتو أمريكي، ورفض أي شروط، مشددًا على ضرورة أن تكون ملفات الحوار رزمةً واحدةً في الضفة والقطاع، وأن يكون الحوار أولاً ثم الإقرار والتوقيع في جلسة مصالحة عامة.

ورفض رئيس الوزراء أي شروط سياسية، كما رفض سلوك السلطة التي تمنع المقاومة وسلاحها والاعتقالات والتزامات الرباعية وخارطة الطريق.

وأكد ضرورة تهيئة الأجواء للمصالحة ووقف الحملة الأمنية في الضفة، نافيًا أن يكون لحماس أي ارتباطات سياسية مرهونة بموقف سوريا أو قطر أو إيران أو اليمن.

وطالب بإطلاق سراح المعتقلين في الضفة اليوم، مضيفًا: "سنكون في القاهرة غدًا من أجل الحوار وقرارنا في جيبنا".

التهدئة مع الكيان

وفيما يتعلق بالتهدئة أكد هنية أن الكيان الصهيوني لم يلتزم، وأن قطاع غزة قدم الشهر الماضي20 شهيدًا، ولم يُنْهِ الحصار ولم يفتح المعابر ولم يمتثل للتهدئة.

وأضاف أن الفصائل تحمل انطباعات سلبية تجاه التهدئة، كما أن حماس لم تجد رعاية مباشرة وواضحة وإلزامية للعدو.

وامتدح رئيس الوزراء مصر وشهداءها، وقال للقيادة المصرية: "من دون تجريح، يا أشقاءنا.. إن لكم إخوةً هنا في غزة يقعون تحت الظلم والاحتلال والحصار الصهيوني، وإن نساء غزة وأطفال غزة ورجال غزة يعانون من هذا الحصار، فلا تظلموهم".

الانتخابات الرئاسية

الصورة غير متاحة

هنية يلقي كلمته خلال الاحتفال

وتحدث رئيس الوزراء فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية وقال: "من انتخابات سلطة إلى رئاسة دولة"، وأضاف ساخرًا: "أين هي الدولة؟!"، واستخف باجتماع المجلس المركزي، وأكد أن القانون الأساسي هو الحكم والمرجع في قضية الرئاسة، مستدركًا: "ولذلك أكدت حماس أنْ لا شرعية للتمديد بعد 9 يناير القادم للرئيس عباس؛ لا بغطاء عربي ولا بغير غطاء عربي".

وأكد أن التعامل مع هذا الاستحقاق يفرض الالتزام بالقانون الأساسي والعمل على تطبيقه، وأن التنفيذ يحتاج إلى وفاق وطني، وأن قرار المجلس المركزي بتعيين رئيس للدولة المغيبة لن يغير في الواقع شيئًا.

وشدد على أن حماس ليست خائفةً من الانتخابات القادمة، وأنها لا تخشى صناديق الاقتراع، ولكن على أساس واضح وقانون وتوافق لا على أساس استباق الخطى.

أولويات قادمة

وأشار إلى أن أولويات حماس القادمة، وفي بداية العام القادم، هي العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام وتوحيد الأرض والشعب، وأضاف: "سنعمل على كسر الحصار"، داعيًا إلى استمرار انتفاضة السفن وتحريك العواصم العربية والإسلامية.

وأشار إلى حماية مشروع المقاومة وترسيخ الحكم الرشيد بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي وتعزيز الشراكة وفتح آفاق جديدة لتوحيد الموقف العربي.

وكانت شوارع غزة شهدت مسيرات ومواكب حاشدة ترفع راية التوحيد التي تتخذها حماس شعارًا لها.

ولعبت الدراجات النارية والسيارات دورًا بارزًا في تلك المواكب؛ حيث انتشرت بشكل كثيف في الشوارع، وقد دأب عدد كبير من المواطنين على تعليق الرايات الخضراء أعلى المنازل، متهيئين لموعد الانطلاقة، وتسارع المواطنون إلى كساء سياراتهم بالرايات الخضراء والخروج في موكب مهيب، مطلقين أبواق سياراتهم ابتهاجًا بالانطلاقة.

في تمام الساعة العاشرة، وقبل موعد انطلاق المهرجان بثلاث ساعات، كانت ساحة الكتيبة قد عجَّت بالمواطنين، ولم يعد هناك متسع للمزيد؛ مما اضطر المواطنين إلى تسلق أسطح المباني المجاورة لمشاهدة منصة المهرجان.

وساد اللون الأخضر أجواء الاحتفال بالمهرجان؛ حيث ارتفعت رايات التوحيد فأصبحت غزة تتشح باللون الأخضر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق